في الاساس هو مشروع قديم.. يعود الى العام 2007 شرعت الحكومة السورية في تطبيق ما عرف باسم نظام "اقتصاد السوق الاجتماعي" وكان الشعار وقتها "توجيه الدعم لمستحقيه"..
ولو ان كلمة "الاشتراكية" موجودة في شعار "الحزب القائد للدولة" الى اليوم، ويردده تلاميذ المدارس عند كل صباح.. ولكن الحقيقة بان هذا النهج (الاشتراكي) تخلت عنه سوريا منذ سقوط الاتحاد السوفيتي في العام 1991.
وكما هو معروف عن الرئيس السابق حافظ الاسد (البراغماتية) فقد بدأ بإجراءات التحول الى اقتصاد السوق منذ ذاك التاريخ.
عموما استمر الدعم لمواد اساسية مثل "الطاقة" ومشتقات النفط، "المياه"، والخبز...
ولم ترفع الدولة دعمها لهذه المواد رغم مضيها في نهج "اقتصاد السوق" وصولا الى بداية الاحداث في العام 2011.
مع انخفاض قيمة الليرة السورية الدراماتيكي وتقلص قيمة دخل المواطن السوري الى 10% (من قيمة دخله قبل الازمة) كان من المستحيل في الوضع الصعب والمهزوز للنظام السوري ان يطرح فكرة سحب الدعم عن المواد الاساسية، واستمر الدعم حتى العام الماضي عندما بدأت "امارات النصر" بالظهور وعاد النظام ليسيطر على مزيد من الاراضي والمدن التي كانت قد خرجت عن سيطرته وخاصة دمشق وريفها والمنطقة الجنوبية.
المشكلة بان الاقتصاد ليس كالسياسة يبنى على "الخطابات" وبث "الحماسة" في اوساط الجمهور.
الاقتصاد علم يعتمد على الرياضيات والمؤشرات والبيانات والحسابات، يحكمه معادلات لها طرفين.. ما ينتج عن طرف فيها هو نتيجة لما نضعه في الطرف الاخر.
الاقتصاد السوري منهار، وهناك استعصاء في عملية الحل السياسي التي من شأنها ان تدفع عجلة الاقتصاد مرة اخرى لتدور، والدول الداعمة لسوريا وعلى رأسها ايران تتعرض لحصار خانق وقد اعلن مسؤوليها مؤخرا وفي اكثر من مناسبة بانهم في "ظرف صعب" وان مواردهم المالية تتناقص وان اقتصادهم ليس في افضل حال..
روسيا من ناحيتها ليست جمعية خيرية وتتعامل مع النظام من منطلق "مصلحي" بحت، فهي تريد كل "قرش" دفعته لتثبيت النظام في سوريا وفوقه الارباح مضاعفة.. وبعد تحقيق "الانتصارات" باتت تنتظر حصاد ما زرعت وتضغط على النظام ليقبل بتسويات صعبة لانها الطريق الوحيد الذي يمكن ان يعيد الحياة الى الاقتصاد "الميت" ويتيح الفرصة امام "الحليف" الروسي لتكون مغامرته في سوريا استثمارا رابحا.
بلد مقسم بلا موارد، فرص العمل معدومة وضغوط دولية لإعادة السوريين في الخارج ملايين السوريين الذين ان عادوا سيكونون ايضا عاطلين عن العمل، والشباب منهم مطلوب للخدمة الالزامية (التي هي بطبيعة الحال استنزاف لواردات الدولة)..، كيف ستؤمن اذاً الدولة مليارات الليرات السورية كل شهر لتقديم الدعم لمواطنيها..؟
والجواب.. هو انها لن تؤمن الدعم لهم بعد اليوم، خاصة ان تكاليف تأمين هذه المواد مع وجود الحصار الاقتصادي سترتفع ولن يكون في مقدورها وان ارادت ان تفعل ذلك.
ازمة الغاز، المازوت البنزين.. البطاقة الذكية كلها مقدمات تقول من خلالها الدولة للمواطن.. لم يعد لدينا القدرة لتأمين هذه البضائع لك بالسعر "المدعوم".. اذا كنت مصرا على ان تحصل عليها بسعر غير سعر السوق فهي "غير موجودة"..
تغلق الحكومة بابها وتفتح للقطاع الخاص باب خلفي لتأمين ما هو "مفقود"، والقطاع الخاص لن يقوم بالبيع في السوق المحلية الا بالاسعار العالمية.. بكلمة اخرى ستتوفر المواد من "شباك" القطاع الخاص بسعر السوق، بعدما اغلقت الحكومة "الباب" على السلع المدعومة..
وهذا ما بدأ يحصل بالفعل.. ولا يمكن قراءة القرار الاخير الذي سمح للقطاع الخاص باستيراد المشتقات النفطية لزوم القطاع الصناعي الا مقدمة لخطوات اخرى في ذات الاتجاه..
عندما يحصل القطاع الخاص على الوقود والطاقة باسعار السوق، بعدما كان يحصل عليها بسعر مخفض مدعوم، سيدفعه هذا بالتأكيد لكي يرفع اسعار المنتجات ليحقق الربح.. ورويدا رويدا سيكون "اقتصاد السوق" قد تحقق في سوريا ولكن من طرف واحد..
في وضع شاذ يسمح للتاجر والصناعي ان يحقق الارباح بينما لا يوجد امام المواطن اي فرصة او امل ليزيد من دخله ويدفع قيمة مستلزمات معيشته..
ربما تستطيع الدولة ان تتخلص من مشكلة الدعم بهذه الطريقة.. ولكن ستتفاقم مشكلة المواطن الذي فقدت قدرته الشرائية معظم قيمتها خلال السنوات الماضية.. وكان لديه مشكلة حقيقية بالاساس.. تتمثل في تأمين معيشة اسرته بالاسعار "المدعومة" فكيف له ان يؤمن مستلزمات عائلته اليوم باسعار السوق؟!
نضال معلوف